عزيزي المُشاهد انتبه؟!! قد “تُحفظ باردًا”

كتبت: إيناس العيسوي
هل أنت مُخيّر أم مُسيّر؟ سؤال يطرحه الإنسان على نفسه منذ بِدأ الخليقه وحتى اليوم، ومازال الجدل قائم، والفلسفة الفكرية والجهل والوعي والمجتمع والدين جميعهم يلعبون دورًا هامًا في ذلك.
في النص الثاني من شهر نوفمبر الماضي، تم عرض العرض المسرحي “يُحفظ باردًا” في الفترة من 17 وحتى 19 نوفمبر، ثلاثة أيام الخميس والجمعة والسبت، حفلتين في الليلة الواحدة على مسرح كلية رمسيس للبنات، وهذا هو الموسم الثالث للعرض، وقد حالفني الحظ أن تمت دعوتي لحضور حفل الثامنة مساءً يوم الجمعة 18 نوفمبر، والعرض فكرة وإخراج ماركو نبيل.
طبقًا لرؤية المخرج، العرض دعوة للكشف عن المجهول، محاولة فهم القدر الذي يُمارس ألاعيبه علينا منذ ولادتنا حتى موتنا، محاولة لمعرفة من المسؤول عن زمام الأمور، “يحفظ باردًا” يطرح سؤالًا هامًا.. هل تُريد أن تتحكم في زمام أمورك؟ أم أنك تريد لعقلك أن “يُحفظ باردًا”؟.
العرض بدأ تقريبًا في موعده، وعند دخول الجمهور كان في استقبالنا ممثلين (رجال) يرتدون ملابس (نسائية) اعتقدت في بداية الأمر أن هذا متعلق بالعرض ولكنه مجرد مُزحة، ومن وجهة نظري لم أجد لهذه الفقرة سببًا غير نوعًا من الترحيب بشكل قد يبدوا كوميديًّا، ولكنني لم أراه كذلك، وربما المخرج يقصد به شيء، أو يقصد ذلك الترحيب المُبهج من وجهة نظره.
تتخيل للوهلة الأولى أن العرض يكاد يكون مستمر، بمعنى أن الممثلون على المسرح يُقدمون تعبيرًا جسديًّا صامتًا، ويتحدث فردين فقط على المسرح (رجل) و(امرأة) على يمين ويسار المسرح، وهذا المشهد مستمر بنفس الحرفية بنفس الآداء مع دخول الجمهور، هذه البداية جعلتني اتشوق بشدة للعرض، الحركة منظمة جدًا، الآداء الجماعي كأنه لفرد واحد مُتقن لكل تفاصيل حركته الجسدية والذهنية، أما الديكور فيخطف بصرك للوهلة الأولى، ويجعلك تطرح العديد من الأسئلة.
بدأ العرض باستعراض يُبرز جدًا طاقات وقدرات الممثلين، من غناء ورقص استعراضي وكُتَل مسرحية، الاستعراض في حد ذاته عظيم ومختلف ومُبهج، ولكنني حاولت طوال العرض أن أبحث عن سبب واحد لوجوده، ولكنني لم أجده، ربما أراد المخرج أن يجعلنا نبدأ بهذه البهجة والطاقة الشبابية لأن في النهاية الأمر على العكس تمامًا، ربما هذا مقصود كل هذه تكهنات، ولكن لم أجد لها رابطًا استطيع أن أكتبه بشكل مسرحي مُتقن.
مشاهد العرض منفصله وحاولت أن أجد لها رابطًا لم أجده إلا في آخر نصف ساعة من العرض، المشاهد الأولى مكتوبة بحرفية والممثلين متمكنين من أدواتهم بشكلٍ جيد، ولكن كل مشهد منفصل عن الآخر، هناك بعض المشاهد التي لم أفهم ما سبب وجودها في العرض؟، هل هي من منطلق (الضحك للضحك)؟، أم لها مبرر لم أفهمه؟، مثل مشهد الرجال يرتدون ويتعاملون كأنهم نساء والعكس صحيح، وفكرة وجود مستكشف؟!، ثم ماذا؟!.
ونعود للديكور مجددًا تفاصيله تجعلك تتخيل وتركز بشكل دقيق جدًا في كل تفاصيله، وخاصة القبضة الموجودة في يمين عمق المسرح، حركاتها المدروسة من وجهة نظري تجعلني أرفع القبعة للمخرج على هذه الدقة في ما ذكرته.
هناك تفاوت ملحوظ في قدرات الممثلون بشكل كبير، ولكن مجهودهم واضح بشدة، وهناك منهم مميزين يخطفوا بصرك من الوهلة الأولى ومنهم، (سلمى النجار) والتي تقف على خشبة المسرح للوهلة الأولى كعرضٍ مسرحي، ولكنها متمكنة للغاية من كل أدواتها بشدة، تجعلك تبكي وتضحك وترقص وتبتسم وتتخيل، هي في الحقيقة تُقدم محتوى هادف على منصة ما، وربما قدمت استاند اب كوميدي من قبل، ولكن في النهاية المسرح مختلف عن الشاشات وعن كل الألوان الأخرى، له هيبته وطبيعته الخاصة، وهي استطاعت أن تُبدع حقًا، ثم نرى مُباراة تمثيلية مُحكمة ممتعة ومختلفة بين مونيكا هاني ونجاح فخري، على يمين ويسار المسرح، مشاهدهم تجعلك تفكر وتكتشف أنك أنت بطل العرض، نعم (الجمهور) هو بطل العرض، ولكن تُدرك ذلك في النص الأخير من العرض المسرحي، ونعود مرة أخرى إلى (مونيكا) و(نجاح)، كلاهما متناغمان معًا، ودقتهما في اختارهما وظبطهما لأدواتهما، ضبط محكم يُظهر قدراتهما وقدرة المخرج في تلك المشاهد.
(مونيكا هاني) شاهدت لها منذ فترة قصيرة عرضًا مسرحيًّا متميزًا من وجهة نظري “استعداء ولي أمر” وقدمت فيه دورًا متميزًا، ولكن من وجهة نظري الخاصة، “يحفظ بادرًا” جعلها تُخرج أشكالًا تمثيلية، ربما لم تتخيل هي يومًا ما أنها تستطيع أن تقدم ذلك بهذه الحرفية.
(نجاح فخري) تذكروا هذا الاسم جيدًا، إن استمر بهذا المستوى المُبهر، أنا على يقين أنه سوف يكون له بصمات لا تُنسى في المسرح يومًا ما، الكلمات تعجز عن وصف إبداعه في مشهد متكرر (المذيع) يقدمه كل مره بشكل مختلف غير نمطي ومُلفت للنظر، أدواته كلها تجعلك مُجبر بشكل إيجابي على التركيز معه وأنت مستمتع ومنبهر بما يقدمه، وهنا نعود إلى الديكور والقبضة المتواجدة على يمين عمق المسرح، والدقة والتناغم ما بين فتح وإغلاق اليد ومشهد المذيع، يجب أن تُشاهده حتى ترى هذا التناغم بشكل حي.
(غبريال رأفت) ممثل كما يُقال (عجينة مرنة) سهلة التشكيل والثبات، بمعني تجده في كل مشهد مختلف عن الآخر، ومُتقن لما يقدمه ويجعلك تصدق ما يقدمه دون أن تفكر للحظة أنك قد شاهدته في مشهد قبله، كل مرة كأنك تراه لأول مرة، يستطيع أن يخطف عينك بتعبيرات وجهه، وبالتحديد عينية المُعبرة جدًا، والتي تُساعده بشكل كبير في أن يجعلك تصدقه وتتفاعل معه في بعض المشاهد.
باقي الممثلين جيدين وربما بينهم آخرين لا يقلوا تمثيلًا عن ما ذكرتهم، ولكن استطيع أن اقول أنني لم أجد من بينهم ممثلًا تستطيع أن تقول عليه (ضعيف) أو أقل من المتوسط.
السينوغرافيا هي أكثر العناصر المتميزة في العرض المسرحي وبالتأكيد الممثلين، العمل إخراجيًّا جيد، والمجهود المبذول واضح بشدة.
فكرة الكود وتاريخ الصلاحية والذكاء الاصطناعي والمصنع، كل ذلك رائعًا ولكنه في حاجة إلى رابط.
الكتابة تحتاج إلى إعادة نظر في فكرة الرابط، المشاهد تحتاج إلى ربط، وتحتاج أن تجعلني لا انتظر إلى آخر نصف ساعة من العرض حتى أُدرك الفكرة، والتي حتى بعد أن أدركتها أرى من وجهة نظري أنها مازالت تحتاج لرابط درامي حقيقي ومُحكم.
“يحفظ بادرًا” تجربة أضمن لك أنك سوف تضحك بشدة في بعض المشاهد وتتأثر في البعض الآخر، تجربة شبابية تستحق المشاهدة، ولكنها في حاجة إلى إعادة النظر في الورق وفكرة الرابط التي ذكرتها سابقًا، العرض كل عنصر فيه على حدا جيد، ولكن يحتاج أن يتم وضع العناصر بشكل متجانس في سلة واحدة.
فريق عمل (يُحفظ باردًا)، تمثيل: أحمد رضا وامنة السنوسي وأبانوب ليشع وبيمن بطرس وداني عماد ودميانة امير وكيرلس ناجي ومارينا عادل ومينا شوقي ومحمد القرشي ومونيكا مجدي وبيتر عماد ورنا عجرمة ونجاح فخري وادهم الفقي وبافلي وبيشوي عصام وغبريال رافت وابراهيم يوسف وسارة مكرم ومينا منصور ومونيكا هاني ومونيكا مجدي وسلمى النجار وشاكر شهاب وتوني سامح ومارينا ايهاب رودي وأبانوب لطيف بحر وأبانوب صبري واندرو جورج وباسم حكيم وأبانوب سمير bunny وفادي نادي وفيبي مجدي وجرجس عاطف وبولا سامي وروجينا صفوت ورونا الهامي وارفيال بشرى وسارة عصام وشمس يوسف ويوسف جهاد، العرض نتاج : ورشة ارتجال الفريق، كتابة مسرحية ومخرج منفذ : ساندى أشرف، تصميم بوستر : كيرلس صفوت، تصميم الدعاية: أبانوب يوسف ، ميرنا كرم، ماركتينج : بيشوى نبيل، إعداد موسيقي : يوسف مدحت، تنفيذ موسيقى : بيتر عادل، ملابس : ماجى ماجد ، لوزا لطفى، تصميم ديكور : شادى نادى، مينا ناجى، تنفيذ ديكور : ميرنا كرم – باسم مجدي – ابانوب يوسف – شيري فيكتور – چاكلين صفوت، تصميم إضاءة : أبانوب ڤيكتور (بيبو)، المستشار الإعلامي : خلود ابو المجد، تصميم وتدريب استعراضات : أبانوب لطيف (بحر) – رونا إلهامي، إدارة مسرحية : مارينا إيهاب روودي، مخرجين منفذين : أبانوب لطيف (بحر) – ساندي أشرف – أبانوب صبري – بولا سامى – رونا الهامى، إنتاج : محمد العدل (ماندو العدل)، فكرة وإخراج : ماركو نبيل.