الصالون.. عرض يجمع تناقضات المجتمع المصري

نسرين نور
عُرض على مسرح ملك جبر ومسرح الفلكي بالقاهرة العرض المسرحي الصالون كتابة نور قبطان وإخراج د.دينا أمين ومن إنتاج الجامعة الأمريكية في القاهرة والتي دأبت منذ أعوام على تقديم عروض مسرحية متميزة بفنانين ينتمون إلى الجامعة الأمريكية..
ينتمي العرض المسرحي الصالون إلى نوع حديث من الدراما يسمى دراما اللاحدث، فعلى الرغم أن ابسط تعريف للدراما هي الفعل أو الحدث، إلا أنه انتشر مؤخراً نوعاً جديداً يعتمد على الشخصيات ولا يرتبط بحدث بعينه أو بخط درامي صاعد أو متأرجح صعوداً وهبوطا، وإنما يعتمد أساسا على ما يشبه السرد لحياة يومية لمجموعة من الشخصيات تصادف وجودها في مكان وزمان بعينه ويصدر عن تفاعلاتها ورغباتها ودوافعها _التي قد تختلف عن و مع دوافع وأهداف الآخرين_ قصة ما. إذن هناكقصة تروى لا بالطريقة الأرسطية “بداية ووسط ونهاية”وإنما بمعرفة معلومات بطريقة التنقيط عن كل شخصية و من ثم تتعاطف أو لا تتعاطف، تحكم عليها أخلاقيا أو لا تحكم فالمشاهد يستمتع في كل حال وهذا هدف سام من أهداف الفن بعد أن ترك للعلم وللعلم وحده أهداف اخرى لا تقل سموها عن الترويح عن النفس الذي أنفرد به الفن.
ثنائيات عديدة..
إذن عرض صالون يعتمد على شخصيات في المقام الأول لكنها لا تصنع حدثا رئيسا مشتبكا مع أحداث فرعية، لكن عرض لحالة وظروف كل شخصية دون أن تصب في حدث عام أو هدف رئيسي يرمي إلى الخروج بمقولة عامة للعرض، اللهم إلا أن يفسر كل فرد من الجمهور ما يرمي إليه صناع العمل كل حسب ثقافته وخلفيته الاجتماعية وما مر به من أحداث حياتيه، وهو ما يعرف بحرية التلقي.
أو يخرج بأن مقولة العرض الرئيسية هي ببساطة “ما تكرر على لسان الثلاث شخصيات الرئيسية لعاملات الصالون”وهو أن كل الرجال قذرين. إذن الرجال في مقابل النساء وتلك أولى الثنائيات.
أنت من مصر ولا منEygpt
الصالون هو مكان يستطيع أن يُتخذ-كأي مكان في مصر- نموذج مصغر لما يحدث فيها الآن وغدا، ذلك عن طريق استخدام مجموعة من الشخصيات المعاصرة التي تعمل في أو تتعامل مع المكان، يظهر البعد الطبقى بوضوح شديد بين العاملين والزبائن، وتلك ثاني الثنائيات الأغنياء في مقابل الفقراء.
الميكيافيلية تسيطر..
كما يظهر التفاوت الأخلاقي والقيمي أيضا_ ليس على أساسا طبقيا ولكن على أساس المصلحة_ فما هو خير لي ويحقق لي المنفعة والسعادة هو الحق والخير والجمال، وأي شئ يتعارض مع مصالحي هو غير جيد أو صالح، بغض النظر عن مصالح الآخرين أو وازع من دين أو قيم مجتمعية مشتركة. فصاحب الصالون يرى أن من حقه الاستغناء عن أي عامل طالما أصبح عبأ على المحل بغض النظر عن تاريخه وعطاءه السابق للمكان، والسيدة وفاء -مديرة المحل والتي تعتبر نفسها شريكة فيه- ترى أن يحق لها “تطفيش”أي من كانت حتى لا تهدد وجودها الأبدي. وهند العاملة الطموح ترى من الحق والخير والجمال أن تتزوج صاحب المحل بعقد عرفي سرا دون علم زوجته، لأن ذلك يحقق لها الارتقاء الاجتماعي الذي تطمح إليه ويساعدها على الصرف على أخيها عبدالله الطالب في الثانوية، بغض النظر عن ما يسبب ذلك للزوجة الأولى من ألم أو معاناة.أما فوزي أو مهند فيحق له الكذب والادعاء طالما كان ذلك يحقق له النجاح والتميز المهني، وقس على ذلك باقي شخصيات المسرحية التي حرصت د.دينا أمين على اختيارممثلين مناسبين للأدوارها_ رغم انحصار الاختيار داخل طلبة الجامعة الأمريكية_ كانت موفقهً جدا وحققت درجة كبيرة من الإقناع.
التفاصيل حيث تكمن الشياطين..
تميز الآداء التمثيلي بكثير من الإقناع والتأثير، كما اهتم بعض الممثلين بالتفاصيل الدقيقة للشخصيات سواء في المظهر الخارجي أو في بعض السمات الأخرى، فمثلاً قام عمر جمعة _من قام بدور حمدي صاحب المحل_ باتخاذ بعض مطربي المهرجانات نموذجاً له وظهر ذلك في نبرة الصوت التي اعتمدها، كما ظهر في حرصه على ارتداء الجنازير والسلاسل والخواتم الذهبية، أما الممثلة حنين الدمرداش فقد صبغت خصلتين من شعرها بلون أحمر فج مثل الذي تستخدمه بعض مصففات الشعر الشعبيات، كما تمتعت مريم زكي بإطلالة تذكرنا بعمتها الفنانة القديرة ماجدة زكي حين كانت في مثل سنها تجسيدا حيا لانكسار البنات وقهرهن بملامح مصرية تثير التعاطف لعظيم الشبه بينها وبين معظم المصريات، ذلك الشبه الذي تأكد بارتدائهن الحجاب خارج المحل وفي الشارع وخلعه فور وصولهن للمكان في إشارة واضحة لما أصبح يمثله المظهر الديني من سطحية.، كما تعمد بعض الفتيان صبغ خصلات من شعرهم باللون الذهبي كما يفعل بعض مصففي الشعر خاصة المحليين. أما الممثلة ملك الليثي فقد تمتعت بحضور مميز وآداء شديد الإقناع، خاصة لمن تابع إنتاج الجامعة الأمريكية في السنوات الأخيرة ولاحظ تنوع أدوار ملك الليثي وقدرتها على تجسيد شخصيات بعيدة عنها سواء في المرحلة العمرية أو الاجتماعية.
في الأخير كانت كل تلك التفاصيل وغيرها تضع المشاهد في الجو العام وتساعده على الدخول في الحالة.
تحرير اللغة..
من يصف عرض من إنتاج الجامعة الإمريكية بأنه تأثر بالثقافة الأمريكية، هو كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء، ذلك أن الثقافة الأمريكية مهيمنة ومسيطرة ليس على دارسيها فقط أو في الشرق الأوسط فقط لكن في العالم أجمع، وقد برز هذا التأثر في عدة ملامح في العرض المسرحي كان أبرزها اللغة، فتكرار استخدام لفظ “خراء” على لسان الجميع دون استثناء تقريبا يذكرنا بكلمة “shit ” التي تستخدم بمناسبة وبدون مناسبة في الأفلام الأمريكية، كذلك التحرر باستخدام شتائم بذيئة مما يستعمل في الشارع عادة ونراه على المسرح للمرة الأولى_حيث يمنع الذوق العام استخدام تلك الألفاظ فيما هو جميل كالفن_ كتكرار وصم الرجال جميعا بأن أمهاتهم قذرات. يرى البعض أن ذلك “روشنة” ويبالغ آخرون بأن تحرير الخطاب يبدأ بتحرير اللغة، ونرى نحن أن ليس كل ما يستخدم في الحياة يجب نقله حرفيا للفن خاصة وأن الفائدة الرئيسية الملموسه له هي “الإفيه” وتأثيره على الجمهور في الصالة ينحصر في استجلاب الضحك.
حل من الخارج ..
في الدراما الإغريقية حين تتعقد الأمور بشكل كبير يأتي الحل الإلهي جزاء وفاقا، يكافئ الصالحين ويعاقب العصاه وينهي المسرحية بطريقة ما غالبا بحل من عندياته تتجلى فيه قدراته الإلهية غير المحدودة وطبعا لا يتمتع بالمنطق.، فهو حل سماوي عادل في مجتمع تلعب فيه الآلهة دورا محورياً في حياة البشر، كذلك أتى الحل في نهاية المسرحية ببساطة ويسر تكاد تكون مخلة لا تتناسب مع حجم التعقيدات التي عرضت على مدار العرض. حل خارجي وهو السفر والبدء من جديد في مكان جديد وكأن مشاكلهن ستحل بمجرد الرحيل ولن تتبعهن حيث ذهبن خاصة وأن المكان داخل القطر المصري وليس هجرة للخارج .
مسرحي أم غير ذلك..
تتميز العروض المسرحية عن الأفلام والمسلسلات بالفلسفة والميل لإظهار بواطن الشخصيات وعوالمها الخفيه، يحدث ذلك عن طريق المونولوجات أو الحوارات الذكية التي يصعب أن تتسم بالطبيعية أو الواقعية الصرفة وهذا ما يؤخذ على العرض الذي استمر لأكثر من ساعتين محافظ خلالهما على الإيقاع، لكن مفتقد للبعد الفلسفي لما نراه أمامنا والكشف عن مكنونات الشخصية وتناقضاتها وصراعها الداخلي الذي يبرر أفعالها حتى الدنيء منها والغير أخلاقي المتسم بالكثير من الآنانية والنزق إلا في مشهد وحيد هو عبارة عن مونولوج طويل يعرض فيه أب لطفلته التي ستولدسفاحاً عن مخاوفه وأسباب تخليه عنها وعن أمها، أما عدا هذا الكشف فكان التنميط والسطحية هما السمة الغالبة.
ديكور فخم مريح للعين..
من الأشياء التي يتم استخدامها احيانا لتعذيب الجمهور وتتسبب في تلوث بصري هي الديكور، ذلك لعدم تأديتهلأي غرض جمالي أو وظيفي، لكن كان المنظر العام الثابت من بداية العرض لآخره والمكون من صالون حريمي باللون الأبيض وبإضاءة داخلية وخلفية زرقاء بانورامية مريح للنظر من ناحية واضفى جو من الفخامة والرقي من ناحية أخرى.
الموسيقى وأغاني جيل في العشرينات..
حين تٌستخدم أغنية معروفة يضع المخرج نفسه بين أمرين، من ناحية أغنية مضمونة النجاح والتأثير ذلك لانتشارها بين الشاب تلك الأيام، لكن من ناحية أخرى فهي تؤثر في كل واحد من الجمهور تأثيرا متباينا حسب ذكريات كل منهم، وهنا ينفصل شعوريا أحيانا في ذكريات خاصه بدلاً عن الاندماج في الحدث.، وقد بدأ العرض وانتهى بفيديوهات تعرض على شاشة بمصاحبة أغنية “مكانا في حتة تانية مش جنب الناس التانية” بآداء هنا يسري وليس عبد الباسط حمودة الذي غناها أولا في فيلم من أجل زيكو.
وعلى طريقة عمار الشريعي في الموسيقى التصويرية التي اعتمدت غالبا أسلوب التنوعيات اللحنية على أغنية التتر،جاءت موسيقى العرض تنويعات على الجملة الأساسية للأغنية، كما كانت هناك أغنية أخرى لحمزة نمرة تثير أشجان من كان حزنه مكشوف أمام الناس.
العرض المسرحي الصالون :
إنتاج: الجامعة الأمريكية في القاهرة
كتابة: نور قبطان.. إخراج: د.دينا أمين
ديكور وإضاءة: جون هوي
ملابس: نرمين سعيد
مكياج: مينا أمير
تمثيل: مريم زكي، حنين الدمرداش، ملك الليثي، عمر جمعة، محمد عمرو الليثي
موسيقى: محمد عمرو الليثي



