مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي يواصل فعالياته

كتبت رنا رأفت
برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تواصلت مساء الأحد (25 مايو) في المركز الثقافي لدبا الحصن، فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان المسرح الثنائي، بحضور أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة مدير المهرجان.
حياة وحلم: الحكي والذاكرة
حول علاقة الحكي بإنعاش الذاكرة واستعادة الماضي المفقود تمحورت وقائع العرض المسرحي المغربي الذي قدم لجمهور الليلة الثالثة من المهرجان، وعنوانه «حياة وحلم»، وقدمته فرقة مسرح الشامات، وهو من تأليف وإخراج بوسلهام الضعيف، وبطولة هند بلعولة، وسفيان نعيم.
يروي العمل قصة الأم سعيدة بنت أحمد السعيدي، التي يصدمها دخول ابنها يونس في غيبوبة إثر حادثة تعرض لها بعد تغيير جذري طرأ عليه خلال فترة غيابه. في محاولة يائسة لاستعادته، تلجأ الأم إلى الحكي وسيلةً لإيقاظ ذكرياته وهويته. تستوحي سعيدة فكرتها من الفيلم الإسباني «تحدث إليها»للمخرج بيدرو ألمودوبار، وتتحدث إلى يونس عن حياتها في غيابه،وعن شخصية أدبية مغربية أنجزت عنها رسالة دكتوراه، آملة أن يوقظ صوتها وكلماتها شيئاً بداخله ويعيده إلى وعيه وذاته الحقيقية.
وتتقاطع في العرض، عبر تقنيتي الاسترجاع والتوليف (المونتاج)، ثلاث حكايات رئيسة: حكاية الشاعر المغربي التي كانت موضوع الرسالة العلمية، والفيلم الإسباني الذي يروي بدوره قصة امرأتين في غيبوبة، وقصة غياب يونس وعودته غير الكاملة. في هذا التداخل السردي الذي يبرز قدرة الحكي على استعادة الوعي، عمد المخرج إلى استثمار الأداء الصوتي للممثلين لإحداث تأثير سمعي يضفي عمقاً على المواقف والحالات المعنوية المروية، تجلى ذلك في تلوين أصواتهما، وتنويع إيقاعهما، وتعديد نبراتهما. وتكامل ذلك مع لغة النص الشعرية المشبعة بالرؤى الفلسفية حول معنى الحياة، والانتماء، والاغتراب، والبحث عن هوية ذاتية.
وفي الندوة النقدية التي تلت العرض وأدارها المخرج المغربي أحمد أمين الساهل، ركزت المداخلات على تناول التحديات التي فرضها الطابع السردي للعمل، على حركة الممثلين وحضورهما فوق الخشبة، حيث تقلصت مساحة التشخيص، وغابت الأفعال،وطغى الكلام، وهو ما رد عليه المخرج بالقول إن لكل مخرج منهجه، وإن هناك ضرورة لإحياء دور السرد في المسرح.
ملتقى الشارقة للمسرح العربي
وضمن برنامج اليوم الثالث للمهرجان، نظمت عند الخامسة مساء جلسات اليوم الثاني والختامي لملتقى الشارقة العشرين للمسرح العربي، الذي جاء تحت شعار «المسرح والحياة»، وأدار الجلسات المخرج والممثل الإماراتي الدكتور خالد البناي.
وجاءت المداخلة الأولى للباحث الدكتور محمد العناز تحت عنوان «تأويل الحياة في المسرح المغربي»، مركزاً على العلاقة الجدلية بين الفن والحياة، وكون الفن ضرورة وجودية لا مجرد ترف. أوضح العناز أن المسرح يفكك الحياة ويؤوّلها، مستخرجاً معانيها الخفية. وتناول مسرحية «الببوش أو أكلة الحلزون» لمحمد أنقار مثالاً يجسد تناقضات الحياة الإنسانية وهشاشة القيم المجتمعية، مؤكداً أنها دعوة للتأمل في المشاعر البشرية.
أما الباحثة اللبنانية الدكتورة كاتيا الطويل، فقدمت مداخلتها بعنوان «علاقة المسرح اللبناني بالواقع.. دراسة سوسيولوجية»، حيث أكدت على دور المسرح اللبناني الفعال في عكس التحولات الاجتماعية والسياسية، وقسمت مداخلتها إلى محاور شملت توجهات وأعلام صناع المسرح اللبناني، وطبيعة الجمهور، والفضاءات التي تُقدم فيها العروض. وأشارت إلى استقلالية صناع المسرح رغم نقص التمويل، وتنوع الجمهور من النخبة المثقفة إلى محبي الكوميديا. وشددت على أن المسرح اللبناني لا يكتفي بعكس الواقع، بل يتجاوزه ليطرح أسئلة جوهرية ويسهم في مقاومة التحديات وتعزيز الأمل.
واختتمت المداخلات بشهادة الفنان اللبناني زياد عيتاني بعنوان «كيف تحيا المدن بحياة خشباتها.. بيروت نموذجاً»، وركز عيتاني على العلاقة الوثيقة بين المسرح والمدن، مستعرضاً تاريخ المسرح من أثينا إلى روما بوصفه مرآة لحياة الشعوب، وتناول فترة الستينيات في بيروت بصفتها عصراً ذهبياً للمسرح الذي جسد أحلام الناس، كما تحدث عن تأثير الحرب اللبنانية التي استهدفت الخشبات، وكيف أصبح المسرح بعد الحرب «خشبة الخلاص» التي جمعت الناس لإحياء الذاكرة، وأبرز عودة الروح للمسرح البيروتي في عام 2015، مؤكداً أن المسرح هو «صلة الرحم الوحيدة بين الفنان والجمهور»، وأن المدن تحيا وتنتعش بحياة مسارحها.
وفي ختام الملتقى قدم أحمد بورحيمة مدير المهرجان شهادات المشاركة للفنانين والباحثين الذين شاركوا في النسخة العشرين من الملتقى.
وفي البرنامج التدريبي استضاف المهرجان في يومه الثاني ورشة «توظيف الدمى في المسرح المدرسي» في مقر جمعية دبا الحصن للثقافة والفنون والمسرح، بمشاركة 30 متدرباً وتحت إشراف الفنان اللبناني الدكتور كريم دكروب الذي قدم في البداية استعراضاً لمسيرة فن الدمى، لينتقل إلى إشراك الحاضرين في تدريبات عملية لصناعة «عروسة عصا» باستخدام مواد متنوعة،ومن ثم شارك المتدربين صناعة دمية وتخيل حكاية تتحرك في إطارها وتجسد جمالياتها ومعانيها.
وفي ختام الورشة قدمت علياء الزعابي منسقة المهرجان شهادة شكر وتقدير للمشرف.
=-=