شادية زيتون دوغان تكتب: السينوغرافيا مسافات ايقاعية
إنطلاقا من اعتبار المفهوم الأساس لجوهر المسرح خيارا جماليا وإيديولوجيا من بين خيارات عدة، جاءت السينوغرافيا عبر إيقاع فضاءاتها اساسا في القاعدة الجوهرية للعرض المسرحي في تشكيلها بعدا مهما في أسلوب الأثر الفني الذي تتضح معالمه في حقول الجمال والتلقي والفعل المؤدى في إنتاج المعنى الذي يقول فيه (باتريس بافيس): “إن المعنى في المسرح هو دائما عملية تقنية محسوسة ماديا إنطلاقا من أدوات مسرحية، وأشكال وهيكليات، وأن المهمة النهائية والرئيسية تكون في تحقيق ‘المعيار” وضبطه مابين النص والخشبة، وأخذ قرار بكيفية أداء النص وإعطائه دفعا مشهديا يضيئه لفترة وجمهور معينين”.
على مر التاريخ كان للسينوغرافبا حضورها بأساليب متنوعة ووفق مفاهيم متعددة إلى أن تبلور مفهومها في أواخر القرن التاسع عشر حيث باتت تشكل ركيزة أساسية في توظيف الفضاء بالربط بينها وبين الحيز الدرامي والتأقلم مع حركته الدراماتورجية والإيديولوجية وقدرتها على ابتكار انفعالات عميقة لدى المشاهد وأحاسيس الممثل، وفي هذا السياق يؤكد( باتريس بافيس) القول: “للسينوغرافيا أهمية في تحديد وإقامة معنى للإخراج في التبادل بين الحيز والنص، بحيث تعتبر نتيجة لمفهوم سيميولوجي للإخراج، أي التنسيق بين مختلف المواد المسرحية المترابطة “
دخل القرن العشرون في الفضاء السينوغرافي من بابه العريض مع (آدولف آبيا وغوردون كريغ ) ومع آخربن فيما بعد ، حيث فرضت السينوغرافيا نفسها بكل مفرداتها في الزمان والمكان وفي استراتيجية التلقي وتفعيل حواس الممثل بصريا وسمعيا وحركيا وحسيا بواسطة بناء نسيج متوازن ومتناغم في مسافات إيقاعية تضللت تحت سقف مظلة كالتالي :
أ- من ديكور تنطلق منه القيم الجمالية والتعبير، ديكور يتلخص في ترتيبه التشكيلي ما بين النص والعرض بتوفير مساحات تسهم في تحديد العلاقة الروحية والجسدية للممثل ضمن إطار مكاني يحتدم داخله الزمن والوجود والعدم والتأويل.
ب- من إضاءة لها دلالاتها التعبيرية وحركتها الجمالية والدرامية مع لغة الجسد، وتفاعلها مع الموسيقى وقدرتها على إحداث الأثر المرئي في تكوين الصور الدرامية، ورهانها الجمالي والدلالي في الألوان التي تساهم في تحقيق المناخات السيكولوجية التي تتطلبها المشاهد إضافة إلى وظائفها الدراماتورجية والسيميائية بتشكيلها العرض وتحديد مساره في انتقال الحالة المشهدية فيما يخص المكان والزمان والحدث.
ج- من موسيقى تعد في إيقاع السينوغرافيا بنية أساسية بخلقها عوالم إفتراضية وترجمتها للوظائف النفسية، وفي تكوينها وتشكيلها الإنفعال والتعبير والتواتر المتتابع في الدلالة عل مراحل الزمن بالتوازي مع لغة الإضاءة.
د- من الأزياء التي في تشكيلها تعد مادة حسية للممثل وعلامة محسوسة للمتلقي ووسيلة حقيقية بين الجسد وموضوع العرض،ويتلخص إيقاعها في الدلالات على نفسية وشخصية الممثل وبما يتلأئم مع رموز عوامل البيئة وسياق الحدث.
ه- من المكياج الذي يبرز في تحديد الطابع المسرحي وتعابير الوجوه وتضمينه صفة الدال برمزية ملفته لكونه يعد اللباس الحيوي للممثل
و- من الاكسسوار في معناها الرمزي والأدائي والاجتماعي، وفي ثباتها أو في كيفية تشكيلها واستخدامها وتحريكها على خشبة المسرح وفضائه
إن كل مفردة من هذه المفردات تعمل وتتطور بحسب ما يفرضه إيقاعها الخاص وما تفرضه مراحل تحولها ، إلا أن التراتبية وتشكيل لغة إيقاعية فيما بينها بصورة فنية تختال في جدلية إدراك الزمان والمكان وفي البحث عن الدال والمعنى في ابتكار رؤية بصرية مضافة على روح النص ورؤية المخرج لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة مصمم سينوغرافيا يعمل على تكوين هذه اللغة مجازيا ورمزيا بإيقاع يجمع ما بين التجسيد والتجريد لمختلف مفردات السينوغرافيا بمسافات إيقاعية تتجلى في لغة متماسكة في تأطير الخشبة وصياغة الفضاء وتنوع صور الفراغ ونحت الجماليات الرمزية المتعلقة بالمعاني الموجودة في بيئة الفضاء المسرحي داخل الإيقاع الشامل للإخراج الذي بدوره ينظم تنامي الإيقاع العام للعرض .
شادية زيتون دوغان – مصممة سينوغرافيا – لبنان