نسرين نور تكتب: “الطفطافة والمقنين” هل يمكن عناد القدر!
عرض مؤخرا ضمن فعليات مهرجان الإسكندرية الدولي للأفلام القصيرة في دورته العاشرة الفيلم الجزائري “الطفطافة والحسون” للمخرج أمير حسين بن صيفي.
ما معنى الطفطافة والمقنين؟
لأن بعض الأفلام العربية تحتاج ترجمة لمصطلحات دارجة محلية إذن الطفطافة هي الدراجة النارية والمقنين_حسب فهمي_ هو القائمين على تنظيم القوانين أو المقننين. لكن لم يكن هذا صحيحا!
لماذا اخطأت الفهم؟
ذلك لأن الفيلم يؤكد على فكرة اختراق القانون ويعرضها ببراعة من وجهة نظر المخترق نفسه ولأن نظرة المخالف هي وجة النظر التي يتبناها الفيلم، لذا تتعاطف معه وتتبنى رؤيته!
وجدت القوانين لنخترقها:
لك أن تسأل نفسك، لماذا اتعاطف مع بطل يخترق القانون؟ وأجيب: حين يتبنى المخرج وجهة نظر هذا البطل، ويختاره من البداية يشبهك في الشكل والظروف والممارسات والأحلام واللغة والدين وفي حالتي الجنس ايضا فكيف لا تتعاطف معه وتتمنى له النجاح.
تكمن الحرفة في طريقة السرد وليس القصة وعبقريتها.
كيف حكي القصة؟
تكمن الحرفة في طريقة السرد وليس القصة وعبقريتها، فالقصة _كما فهمتها وترى معي أني لا افهم الجزائري والترجمة التي تغادر الشاشة سريعا لكن نستحمل بعض شويه يا أخي_ هي فتاة قروية تقرر السفر للعاصمة لكن كيف لها ذلك؟ بدراجة نارية تملكها صديقتها.
القصة بسيطة والسبب يكاد يكون تافها، لكن الطريقة التي روي بها الفيلم القصة هي ما جعله مميزا. تحكي الفتاة القصة بشكل مباشر للكاميرا ويستمر الحكي يتبعه مشاهد تمثيليه تجسد ما تحكيه مع وجود راوي_ لا نراه أبدا_ يعدل لها القصة ويغيرها احيانا.
الإيحاء بالثقة:
كل ماتراه تصدقه وتبرره لنفسك _دون أن تدري_ حتى وإن كان يخالف العقل والمنطق.
والسؤال لماذا؟ ذلك لأن العمل استطاع خلق منطق خاص به وجذبك نحوه فصرت تصدق.
أن فتاة محجبة وصديقتها تسافران وحدهماعلى دراجة نارية مخترقة الصحراء للوصول للعاصمة.
حجاب الفتاة تأكيدعلى البيئة المحافظة التي يتم فيها خرق القانون لأكثر من مرة، مرة: بسفر بنات بمفردهن وثانية: استخدام دراجة نارية. فكما هو معروف ليس من المنطق السفر بدراجة نارية لإنها لا تصمد من ناحية ومن ناحية أخرى ممنوع قانونا السير بها على الطريق السريع إلا لمسافات قصيرة.
الحلول الغرائبية:
تبدو حلولا غير منطقية، كيف يظهر فتى يبيع التين الشوكي على طريق سريع في صحراء جرداء! كيف تظهر إمرأة_شيك جدا_ وسط طريق صحراوي وياللصدفة معها حقيبة بها تجهيزات تصلح لإصلاح_ليس سيارة_ لكن دراجة نارية، تخرج من حقيبتها القطعة المطلوبة تماما وتضعها في مكانها بالضبط!. سيارتها وملابسها تنمتي للسبعينات بينما جميع ما في الفليم يخص الألفية ولذلك دلائل عدة منها استخدام الهاتف المحمول مثلا.
السؤال الذي أدهشني شخصيا، كيف لم أر كل هذا غريبا؟ والإجابة أن العمل استطاع خلق منطق خاص به وحده، كيف استطاع ذلك؟ الطريقة التي اتبعها لسرد حكايته. أنت أمام فتاة تتحدث مباشرة إلى الكاميرا، أو تتحدث إليك وتنظر في عينيك، أنت لا ترى الكاميرا ولكن ترى فتاة تتحدث إليك، لكن انتبه ليس لك، لأنك تسمع صوت رجل يرد عليها، إذن هذا ليس أنا وإنما هي تتحدث لأحدهم يصدف أني جالس مكانه!
هذا الشخص يملك سلطة ما، يستطيع معها تغيير الأحداث أو إضافة حلول.
كسر الإيهام:
عرف كسر الإيهام بداية في المسرح وانتشر منه للأدب والسينما، ويتخلص في عدم إدماج المشاهد فيما يرى بوضع مسافة تجعل من عقله حكما على مايرى، ذلك عن طريق تنبيه حواسه بين الحين والحين إلى أن مايراه ليس حقيقيا، حتى لا يتورط عاطفيا مع الحدث ويعمل عقله فيما يرى ويتم ذلك بعدة أساليب، كأن يظهر راوي فجأة ويغير الحدث، أو يتحدث الممثل لزميله باسمه الحقيقي وما إلى ذلك.. بدأ هذا الاتجاه في ألمانيا فترة ما بين الحربين عن طريق المسرحي الشهير برتولد بريخت مؤسس المسرح الملحمي واتجاه التغريب في المسرح.
حدث مرات عدة أن تم كسر الإيهام في الفيلم، فمثلا تروي البطلة أنها سافرت بالطريقة الفلانية ليصحح لها المتحدث بأن هذا لم يحدث ولكن ما حدث هو كذا، لا نرى ما تحكي هي مجسدا أمامنا في مشهد يؤكد ما ترويه، لكن دائما مانرى حلوله هو مجسده على الشاشة مما أعطاه مصداقيه رغم غرائبية حلوله!
تسير الدراجة وسط الشاشة مع صوت الفتاة والراوي، ثم يراجع الراوي الفتاة في بعض المعلومات تقف الدراجة وتعود للخلف وتسود روايته وتنمحي رواية الفتاة.
رحلة البطل المحترم:
رحلة البطل من أكثر الجمل المشهورة لمن يتعلم كتابة السيناريو خاصة في كتاب سيد فيلد الشهير. لذا هناك بطل والفيلم رحلته من نقطة ألف إلى زاي مثلا.
وأثناء تلك الرحلة التي لها هدف “يريده البطل بشدة” يقابله شرير يعرقل مساعيه، وصديق يسانده، وبعض المعوقات.
تلك الصورة مبسطة للغاية، وظهرت في الفيلم على هيئة رحلة بطل بالمعنى الحرفى، يسعى للوصول إلى العاصمة لسبب ما_ليس مهما ولا هدفا على الإطلاق لكنه مهم بالنسبة للبطل.
الصديقة التي تمتلك دراجة نارية وتستطيع القيادة(تساعدها) كما لها منغصات تعطل مساعيها
نفاذ الوقود، التيه وعدم معرفة الطريق، تعطل الدراجة….إلخ.
هناك أيضا من يظهر من العدم ليساعدها..
فتى الطريق، إمرأة الطريق، وجود مال للوقود، إيجاد محطة وقود، وفوق ذلك كله عدم إبلاغ أي ممن سبق عن هاتين الفتاتين مخترقتا القانون، وكأن الجميع يتواطئ معهما. لندرك في النهاية أن شيئا من ذلك لم يحدث.
كيف أتت النهاية:
لم ولن ندرك بشكل واضح من يكون الراوي الذي يأمر وينهي ويحدد ويشطرت ويوجد الحلول الغرائبية، لكن هل للفتاة أن تلطخ وجهه بالطين وتقرر_ بعد أن أطاعته طول الرحلة_ مخالفته حين قرر أنها لم ولن تسافر من الأساس ولن تذهب للعاصمة!
آه بالمناسبة ما معنى عنوان الفيلم؟
الطفطافة الدراجة النارية، والمقنين هو طائر الحسون! آه نسيت أن أقول لك عن سبب رحلة البطل، هو علاج طائر الحسون المعرض للموت.